أصدرت ما يسمى “الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع” بيانا لها تدعو فيه نفسها إلى تنظيم وقفات احتجاجية يوم 30 مارس المنصرم في مختلف المناطق بالمغرب تحت شعار “يوم الأرض نضال متواصل لإسقاط التطبيع”. وفي البيان نفسه تعتبر تلك الجبهة أن ما قام به المغرب من إعادة علاقته مع إسرائيل “يعد خيانة يرفضها الشعب المغربي”، إلى جانب ادعاءات أخرى يستنسخها هؤلاء المناضلون المغشوشون في أدبياتهم المعهودة التي لا تقدم ولا تؤخر سوى متاجرتهم بالوهم وبيعه لأصحاب قضية طالما راهنوا على مجيء فارس يأتيهم فوق جواد أبيض، ونسوا أو تناسوا أن يراهنوا على أنفسهم.
والواقع أنه حينما كنت أقرأ بيانهم لم تطاوعني عيناي في قراءته بالتأني؛ بل كانتا تستبقاني بحثا هذه المرة عن الخطوات العملية التي من المفترض أن يتخذها واضعو هذا البيان، فلم تجد سوى سفسطة وهرطقة من كلام ونضال مغشوش من المنتظر ألا يتجاوز شارعا واحدا في الرباط وكأن القضية الفلسطينية سوف يتم تحريرها بالوقوف أمام البرلمان المغربي برفع الشعارات الكاذبة والصدح بحناجر مبحوحة بعد أن تداعت أوتارها وترهلت. ونقول لهؤلاء المناضلين: شدوا الرحال إلى فلسطين إن كنتم رجالا… لقد سئم الشعب المغربي من أكاذيبكم التي لا تنطلي إلا على أنفسكم. فليس كل من يربط الكوفية الفلسطينية حول عنقه فهو مناصر للقضية، ولم يعد ذلك رمزا للنضال… فما المانع عندكم بالاستعاضة عن تلك الكوفية بالبندقية الفلسطينية أم أن في الأمر حكاية لعلكم تعرفونها كما يعرفها الشعب المغربي؟ تبا لكم، أيها المهرجون وأيها المتاجرون، فاغربوا عن عيون الشعب المغربي بعد أن كشف أمركم، واقرؤوا كتابكم بأيديكم، وما أظن أن بصركم اليوم من حديد.
في بيانكم، كيف سمحتم لأنفسكم بالتطاول على المغرب متهمين إياه بالخيانة في علاقته مع دولة إسرائيل الصديقة. تطلقون هذه الأحكام جزافا وأنتم الجاهلون لها. فما قدمه المغرب وما سيقدمه يفند ادعاءاتكم. فعلى أرض المغرب، عقدت القمة العربية عام 1974، وكان الفضل للملك الراحل الحسن الثاني أن جعل من منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فأعطاها ذلك بعدا دوليا. كما الفضل يعود إلى المغرب في استعادة مصر لسيناء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مؤتمر مدريد. وكيف لكم أن تغضوا الطرف عن المساعدات التي يقدمها جلالة الملك محمد السادس من ماله الخاص لأهل القدس، من أجل دعم صمودهم.
مقابل كل ذلك، أسائلكم أنتم، أيها المؤدلجون، ماذا قدمتم للقضية الفلسطينية. ولعلي بذلك أضعكم في خانة الخائنين. فمنذ أن قطع المغرب علاقته بإسرائيل أواخر عام 2000 تجمدت المفاوضات على المسار الفلسطيني، ودخلنا مرحلة اللاحرب واللاسلم؛ وهو وضع مريح بلا شك لإسرائيل. فهل سارعتم إلى تقديم بديل آخر للخروج من هذا النفق أم بقيتم في حالة انتظار وترقب وتتابعون المشهد الفلسطيني كل مساء على شاشة التلفزيون؟
لا أعتقد أنكم تملكون البديل. أنتم لستم فقط ظاهرة صوتية، تطحنون قرونا؛ ولكن لا تملكون القدرة على العمل ولا تتركون غيركم يعمل. فأنتم المشوشون بامتياز، والمغرب لا يلتفت إليكم كما هم المغاربة كذلك. فالشعب المغربي خلف ملكه، ويثق في حكمته التي لا تحيد عن خدمة السلام في المنطقة؛ فلا قدرة لي أن أستوعب مفارقة في قراءة هذه المواقف ما بين تلك المناوئة لخيارات المغرب من أبنائه الضالين، وتلك المؤيدة لخطوات المغرب من أهل القضية الذين لم ينزلقوا على الأقل إلى حدود وصف المغرب بالخيانة، وكانت تلك هي تعليمات الرئيس أبي مازن الذي يثق في حكمة ملك.
وكذلك جاء بيانكم معارضا لكل خطوة من خطوات ما تسمونه بالتطبيع. ولعلكم في هذا الموقف ستجدون أنفسكم من أشد المنقلبين على أدباركم بحجة أن كل من يزور إسرائيل أو يدخلها؛ فهو في نظركم مطبع، ويجب التصدي له. وفي هذا الصدد، لا يسعني إلا أن أدعوكم إلى تحديد موقفكم من الطاقم الدبلوماسي المغربي المعتمد في رام الله، الذي لن يتأتى له الالتحاق بعمله إلا بعد أن تكون صفحات جوازه الدبلوماسي قد امتلأت عن آخرها بالأختام الإسرائيلية عند نقاط العبور، سواء من مطار بن غوريون أو من معبر أريحا. فما حكم هذا الدبلوماسي المغربي؟ وهل يجوز أن ينفذ فيه شرع الظالمين كما هم أنتم؟ وثانيا قد يستضيف ويرعى المغرب جولات من المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لإحياء عملية السلام. وهذا سيناريو وارد جدا، وأدعوكم من الآن إلى أن تهيؤوا أنفسكم له لكي لا يداهمكم ويصبح العدد منكم شتى على خلاف ما كنتم عليه في الضلالة مجمعون. فهل ستعارضون هذا السيناريو، أيها المراهقون في السياسة؟.
ومن المثير للغثيان في هكذا مواقف ملتبسة بعيدا كل البعد على أن تكون وطنية، وهي أن تتحدث زمرة من الناس لتنصب نفسها الناطق باسم الشعب المغربي في قضية يصطف فيها الشعب كله وراء قيادته. لقد دعت هذه الجبهة الناس إلى الخروج من أجل وقفات احتجاجية في مختلف المدن المغربية، وقد استجاب واضعو البيان لأنفسهم ولم يستجب لهم الشعب المغربي. لم نلمس لهم أثرا ولا وجودا في حواضر المغرب، باستثناء تلك الخرجة المحتشمة والمذلة في مكان ما بالرباط. وكانت سلطات العاصمة أن حفظت ماء وجههم من تلك المهزلة، بعد أن منعت شيوخهم من ذلك التواجد المهين لهم في الشارع. فصنعا جميلا قدمته لكم سلطات العاصمة. فاخجلوا من أنفسكم، واتعظوا من هذا الدرس الذي كشف عن مدى العزلة التي أنتم فيها. واعلموا أن السلام بين المغرب وإسرائيل ليس كما تتوهمون؛ فهو سلام دافئ وسلام، يحمل رسائل لخدمة القضايا الإنسانية والعادلة. وأن المغاربة لا ضير لهم في زيارة أشقائهم من اليهود المغاربة الذين يخرجون عن بكرة أبيهم لمناصرة قضايانا الوطنية. وهي رسائل طافحة بالوطنية وبالتسامح والتعايش ونبذ الكراهية. إنها في مجملها رسالة مملكة وملوك.
The post فلسطين والنضال المغشوش appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/2OxuPzy
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire