الماء والمقدس . .باحثة مغربية ترصد أوجه الصراع والتعايش مع اليهود

صدر للباحثة حنان حمودا، ضمن سلسلة بحوث ودراسات رقم 84 من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، كتاب “الماء وصناعة المقدس”. ويتعلق الأمر بدراسة أنثروبولوجية لبنيات المجتمع الواحي بالمغرب ضمن 326 صفحة، حاولت نقل موضوع الماء إلى موقع أنثروبولوجي بارز عبر فتح مجموعة من بؤر النقاش والتفكير، والوصف والتحليل لمقومات ومرتكزات النظام الاجتماعي الداخلي.

وتقول حنان حمودا، الحاصلة على الدكتوراه في علم الاجتماع في تخصص سوسيو-أنثروبولوجيا الماء والموارد، إن موضوع «الماء وصناعة المقدس» تتبع للخبرة المحلية ومجموعة من الطقوس الزراعية والمائية، والمعتقدات الدينية الناظمة لحقل التصورات وحقل الممارسات داخل نظام الواحة.

كما تردف الباحثة نفسها بأن مساءلة جغرافية الموارد المائية في فضاء الدراسة أدت إلى رفع الستار عن مهرجان متنوع ومتسلسل من الطقوس المائية المرتبطة بحركية الفصول الفلاحية والزراعية، وهي المعبرة عن نظام من التفاعلات الاجتماعية، وعن صورة وتمثل «المقدس» من لدن الساكنة المحلية.

اليهود ومِلكية الماء

تورد حنان حمودا في الفصل الرابع من كتاب «الماء وصناعة المقدس»، المعني بالماء والتنظيمات الاجتماعية التقليدية بدوار أولاد اعميرة، في واحة سكورة بالجنوب الشرقي المغربي، أن الاطلاع على نماذج من العقود المحلية يوضح وجود خليط إثني إلى حدود تاريخ قريب، حيث اليهود أقدم ساكنة وكانوا يملكون الأرض وحقوق الماء.

وقدمت الدكتورة حمودا وثيقتين كشكل من هذه العلاقات التعاقدية التبادلية الموثقة عدليا بين اليهود والمسلمين في الحيز المكاني نفسه، تظهران صنفين من المعاملات والعلاقات الاجتماعية؛ تهم تارة «دائنة» أو «مديونة» عند المجموعتين، منها حالة اليهودي إسحاق بن مخلوف المدين لمحمد بن الهاشمي بقرض عيني تم التعهد بتأديته عبر تفويت الحصة المائية للمدين ورهنها للدائن.

ويضع العرف المحلي لمجتمع سكورة، وفق الدراسة السوسيو-أنثروبولوجية نفسها، علاقة الرهن في قلب المبادلات والعلاقات المالية بين الدائن والمدين؛ وفي حالة تعذر على الأخير أداء ما بذمته يقوم ممثلو العرف المحلي باستبدال طريقة إرجاع القرض النقدي، وتعويضه بمورد ذي قيمة اجتماعية واقتصادية ومالية؛ أبرزها الماء الذي كان، ومازال، ورقة إستراتيجية قيمتها تفوق باقي الموارد، كالأرض أو المال.

كما تستحضر الدكتورة حنان حمودا، في الاشتغال عينه، وثائق تهم شخصيتين يهوديتين؛ هما الحزان مير بن الدراوي، والدرعي هدو بن شالوم بن هنو، في تنظيم العلاقات والمبادلات السوسو ـ اقتصادية، من بيع وشراء ورهن للأرض والماء؛ بالإضافة على علاقة «الشّركَة» في أنشطة الرعي وتربية الماشية والزراعة، زيادة على المبادلات التجارية والمالية والعينية، مثلما يتم بين أبرز الفرق والاتحادات العائلية المسلمة التي كانت على قمة السلم الاجتماعي بهسكورة، ومنها شيخ «أولاد ابريك» في أولاد عميرة.

وفي وثيقة أخرى، تشدد الدراسة، يحضر شويل بن مير وصهره، يعقوب بن موشي، اللذان أبرآ ذمة احمد بن الحاج في الفدان الذي اتصل به في أرض «اولاد بوراص»، وضمنها جاء الحسم في ملكية الأرض، بما فيها من أشجار النخيل بين الأطراف الثلاثة، حيث آلت إلى بن الحاج بعدما رفع اليهوديان اعتراضهما بتسليم تام لا حجة بعده.

الماء وإنتاج الصراع

في الفصل السادس من الإصدار المذكور، الحامل عنوان التنظيم الاجتماعي للماء واستمرارية أعراف التركة القديمة، تنبش الدكتورة حنان حمودا في حضور المياه ضمن إعادة إنتاج علاقات الصراع الاجتماعي؛ حيث نموذج دوار اولاد اعميرة في واحة سكورة يستحضر مفهومَي «الصغار» و«الكبار» ونظام التراتبية في توزيع حصص الدورة المائية، وبالتالي يقوم مورد الماء بإنتاج علاقات الصراع والنزاع المستندة إلى تشغيل البنيات الاجتماعية والثقافية التقليدية القديمة، واستحضار مرتكزاتها السوسيولوجية، باعتبار المكانة الداخلية الكبرى لمنظومة القيم والأعراف والثقافية والاجتماعية والدينية؛ وبذلك يتم إيلاء اهتمام كبير للتراتبية الاجتماعية ومكونات النسيج البشري الداخلي.

وبذلك، تزيد الباحثة، تعد علاقات الصراع والنزاع والاحتقان الاجتماعي سمات طاغية على بين العلاقات الاجتماعية في الجنوب الشرقي بالمجتمع المغربي منذ قرون، خصوصا عند القبائل الواحية القديمة والأصلية من الناحية التاريخية، لارتباطها بأساليب وتقنيات مائية وزراعية وتعبيرية معقدة جدا؛ جعلت الماء يعتلي أقدس المقدسات بالنسبة للواحة والقبيلة.

وتذكر حمودا أن هذا الوضع المتميز ينعكس في تعدد واختلاف المحددات الثقافية وأساليب التدبير الاجتماعي على جملة من الأعراف والطقوس، والقواعد الاجتماعية المنظمة لكل من معطى الأرض ومعطى الماء؛ كما يؤثر هذا على تعدد وحدات وقياسات توزيع هذه الثروة الزرقاء حسب العرف والشرع المحلي المتبع منذ القدم بمجالات الواحات في المغرب.

كما تشدد الدارسة، علاقة بهذا الفضاء الواحي الجنوب الشرقي في المملكة، على أن النسيج الاجتماعي باولاد اعميرة وواحة سكورة يرتبط بالماء ارتباطا بنيويا، في كل تمظهراته وتجلياته، إذ ساهم في بناء جملة من الأعراف والتقاليد ذات الجذور التاريخية وجملة من المؤسسات والهيئات الاجتماعية العرفية، التي تنهل من تشكيلة ثقافية وإثنية متعددة، منتجا بينات مستوحاة في جوهرها من عمق الهوية الأمازيغية والإفريقية واليهودية والعربية؛ تدور كلها حول ابتداع طرق الاستفادة من الماء، والحرص دوما على استمرار هذه الاستفادة كتدبير عرفي عبقري.

The post الماء والمقدس . .باحثة مغربية ترصد أوجه الصراع والتعايش مع اليهود appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3sXHn24

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire