ورد في تصدير دستور فاتح يوليوز 2011 ما يلي: “إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”.
تأسيسا على ما سبق، وبعدما يقرب من اكتمال عقد من الزمن على تطبيق هذا الدستور، برزت في الآونة الأخيرة نقاشات صاحبت المناقشة والتصويت على مشاريع القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية بالبرلمان المغربي، وتحديدا منها القاسم الانتخابي، حيث سيتم تعديل المادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، القاضية باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في الدائرة الانتخابية برمتها، في سابقة أولى من نوعها في نظامنا الانتخابي، حيث استقرت الممارسة على أن القاسم الانتخابي يتم احتسابه بناء على الأصوات الصحيحة للمصوتين.
ومن هنا نتساءل: هل تعديل بعض القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية عند متم كل ولاية تمثيلية ضرورة منهجية لا بد منها؟ أم إنها موضة عابرة يتم التعامل معها بناء على ما ستسفر عنه التكهنات بخصوص نتائج الانتخابات؟ وهل مسألة القاسم الانتخابي تعكس العدالة الاجتماعية التي كرسها دستور المملكة، أم هي من أجل العدالة الانتخابية كما تريدها بعض الأطراف السياسية؟ ثم هل العدالة الانتخابية سيحسمها من سيذهب إلى الصندوق أم من لا يرى الصندوق أصلا؟.
هذه الأسئلة المطروحة في هذه الظرفية السياسية الحساسة والوبائية المحرجة تقتضي التعامل باحترافية وفق ما تتطلبه ظروف المرحلة.
في الماضي القريب، كان المتتبع للحياة السياسية المغربية ينتظر ما ستقدمه وزارة الداخلية بناء على اختصاصاتها من جديد، يهم الضوابط المؤسسة والمؤطرة للعملية الانتخابية، وما ستعرفه الدوائر الانتخابية من تطورات وتطويرات انطلاقا من تقطيع الدوائر إلى إعلان النتائج، لكن الأمر هذه المرة يختلف بالمرة، إذ سينصب النقاش حول القاسم الانتخابي دون غيره، وخصوصا بعد تصويت مجلس النواب بالأغلبية من أحزاب الأغلبية والمعارضة معا على أنه سيتم احتسابه بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، مع معارضة حزب يقود الحكومة لوحده، معتبرا أن القاسم الانتخابي لا ينبغي أن يطاله أي تغيير، أي إن احتسابه يجب أن يبقى على أساس عدد المصوتين.
وهنا يطرح السؤال:
هل ما حصل من مناقشات بشأن القاسم الانتخابي أطرتها خلفية تقنية صرفة أم خلفية سياسية بحسابات تقنية؟..
من التبريرات التي تم تقديمها بخصوص تعديل القاسم الانتخابي على أساس كل المسجلين في اللوائح الانتخابية أنه سيجعل غير المصوت يتحمل مسؤوليته حول مآل الخريطة الانتخابية؛ فإذا كان الأمر كذلك فمن يضمن أن كل مسجل في اللوائح الانتخابية مازال هو كذلك ولم يطرأ أي تغيير على وضعيته؟.
ولعل السؤال الأبرز أيضا هو من يجب أن يتحمل المسؤولية؟ هل من كانوا السبب في عدم ذهاب بعض المواطنين إلى صناديق الاقتراع بسبب غياب التأطير أو بسبب سوء التدبير، فكان منتهى وعيهم أن عبروا بهذه الطريقة أو تلك عن موقفهم، وبصرف النظر عن مدى خطئهم أو صوابهم؟.
لنعد إلى الدستور المغربي مرة أخرى في فصله السابع، حيث يقول: “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين”.
على ضوء ما تقدم، نستخلص أن موضوع القاسم الانتخابي لا يجب أن تحكمه الخلفية التقنية الصرفة، ولا الظرفية السياسية الحزبية المنفعلة، بل الخلفية السياسية الواضحة القائمة على تحمل المسؤوليات التاريخية وتقاسم أعباء المجتمع بدل تقاسم المنافع والمقاعد بسخاء وبدون استحقاق، كما ينبغي أن تؤطره الخلفية التقنية الملحة ضمانا لصدقية العملية الانتخابية برمتها، انطلاقا من عملية التسجيل، والتأكد من المعطيات المدلى بها سابقا، إن طالها أي تغيير، وتشجيع وتأطير من وصل سنهم إلى أداء الواجب الوطني من طرف الجميع حكومة وأحزابا ونقابات ومجتمعا مدنيا… ومرورا بعملية التصويت ووصولا إلى احتساب الأصوات التي تعكس الحقيقة وعدد المقاعد المتبارى بشأنها بين المرشحين بفعالية، ودون انفعال وبحماس وتأثر دون تؤثر بالنتائج المعلنة.
إن الملاحظة الجديرة بالانتباه هنا أن البعض يرى أن احتساب الأصوات على أساس المسجلين سيؤدي إلى تقوية التعددية السياسية، وهذا أمر غريب، إذ إن هذه التعددية مرتبطة بتأسيس الأحزاب أساسا، وحسمه أول دستور مغربي منذ العام 1962، ولا يرتبط باحتساب الأصوات، بصرف النظر عن الطريقة التي سيتم التعامل بها. والأغرب ألا شيء يمنع هذه الأحزاب المتعددة أصلا من أن تكون قوية. ومن باب التذكير فمن كان في الماضي يلوم الدولة التي كانت تسمح بتأسيس الأحزاب السياسية وفق ما يقتضيه الخيار الديمقراطي، موردة أن ذلك سيؤدي إلى بلقنة المشهد السياسي، نراه اليوم عندما عجز عن فهم انهيار أسهمه في السوق الانتخابي يريد استغلال المناسبة السياسية للاستفادة دون ما تقتضيه ضوابط المنافسة الانتخابية.
والدستور واضح في هذه المسألة:
(… والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية).
من هذا المنطلق، إذا كانت الأحزاب السياسة أجمعت على أن العملية الانتخابية التي على أساسها انبثق البرلمان الحالي والأغلبية الموجودة في تدبير الشأن العام مرت في ظروف تطبعها صدقية العملية الانتخابية، فلماذا المضي في تغيير ما كان موجودا؟ أم إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تقاسم الغنيمة الانتخابية من خلال طريقة احتساب القاسم الانتخابي لا غير؟.
وعليه، فالحزب السياسي الذي شارك في العديد من المحطات الانتخابية ولم يستطع إقناع شريحة واسعة من المواطنين بالقيمة المضافة التي سيضيفها لهم، من خلال أن المشاركة السياسية بهم أو من خلالهم ستنعكس إيجابا على تحسين أوضاعهم أو سلبا عن طريق الحط من كرامتهم إن هم وقفوا موقف المتفرج عند تركهم القيام بواجبهم، حتى يلوموا أنفسهم أولا لا غيرهم الذي ظل جاثما على صدورهم بدعوى شرعية تمثيلهم.
أليس من الأفيد له الانسحاب من الحياة السياسية طوعا، وفاء لروح الديمقراطية أو حتى كرها بوضع عتبة انتخابية توازي ما بين الحفاظ على التعددية وعدم البلقنة السياسية، لإفراز أغلبية قوية وقادرة على مواجهة التحديات الآخذة في التطور والإكراهات التي هي قيد التبلور؟.
الخيار الديمقراطي إذن يقتضي أن نترك الحرية للمواطن لمحاسبة من قاد الحكومة وشارك فيها لولايتين متتاليتين. وتضررت طوائف وطبقات من التدابير الحكومية التي تم انتهاجها، ليفهم أن المغزى من العملية السياسية هو خدمة الوطن والمواطن على حد سواء وليس الحصول الامتيازات والبحث عن منافذ الثروات.
صفوة القول إن بلادنا تستحق سياسيين بخلفية تقنية تنموية وتقنيين بخلفية سياسية ترفع النمو وتحقق التنمية، ومن وجد نفسه في ورطة سياسية لا يمكن أن نبحث له عن مخرج قانوني لإنقاذه منها، بل عليه تحمل وزر المسؤولية الملقاة على عاتقه وحده لا غيره.
The post أضواء على القاسم الانتخابي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3wAanin
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire