الغالي أحرشاو يقارب المدرسة ورهان الديمقراطية والتنمية في المغرب‎

اعتبر الغالي أحرشاو، الكاتب والسيكولوجي، أنه رغم التقدم المحقق على صعيد تعميم التمدرس في المغرب فإن ما يقرب من مليون من الأطفال ما بين 9 و14 سنة يوجدون خارج المدرسة، ويجهلون تماما القراءة والكتابة، وما يتجاوز مليونا من الأطفال ما بين 3 و5 سنوات، وبنسبة تتجاوز 50%، لا يستفيدون من التعليم الأولي.

وشدد المتحدث، في مقال توصلت به هسبريس، على أنه رغم ضخامة الجهود التي بذلت، والمكتسبات التي تحققت، والأموال التي صرفت في مجال إصلاح التعليم، فإن المدرسة “مازالت تعاني من كثير من بؤر العجز والإخفاق التي تعطل طموحها المشروع في خدمة الديمقراطية وتحقيق التنمية”.

واعتبر أحرشاو أن فسحة الأمل في الإصلاح والتغيير تبقى حاضرة، تغذيها عوامل الإرادة القوية، والمواطنة الصادقة التي يتسلح بها كثير من أبناء هذا الوطن.

إليكم نص المقال كما توصلت به هسبريس:

أكيد أن المدرسة التي تشكل القاعدة المرجعية لتكريس الديمقراطية وخدمة التنمية تراجعت في وظيفتها التربوية إلى الحد الذي أصبح معه الأمر يستلزم تغيير المسعى لصياغتها وفق أسس وأهداف جديدة، تستجيب في الوقت نفسه لتطلعات المواطن المغربي وانتظاراته، ولمقاييس المؤسسات النموذجية التي تعاضد القول بالفعل، وتتوج التخطيط بالتنفيذ، وتترجم المبادئ والأهداف إلى حقائق وإنجازات ملموسة. فكثيرة هي الوعود التي قُدِّمَت باسم إصلاح المدرسة المغربية، وجعلها رافعة أساسية للديمقراطية والتنمية، لكنها بقيت في أغلبها شعارات فضفاضة لا تدل سوى على إخفاقات نجملها في الوقائع والمعطيات التالية:

– رغم التقدم المحقق على صعيد تعميم التمدرس فإن ما يقارب من جهة مليونا من الأطفال ما بين 9 و14 سنة يوجدون خارج المدرسة ويجهلون تماما القراءة والكتابة، وما يتجاوز من جهة أخرى مليونا من الأطفال ما بين 3 و5 سنوات، وبنسبة تتجاوز 50%، لا يستفيدون من التعليم الأولي.

– ضخامة الهدر المدرسي؛ إذ إن 400 ألف تلميذ يتركون المدرسة سنويا، و450 ألف طالب يغادرون الجامعة بدون شهادة. هذا بالإضافة إلى أن 10 ملايين (28%) من ساكنة المغرب ممن تتحدد أعمارهم في 10 سنوات فما فوق مازالوا عرضة للأمية الهجائية، تمثل فيها نسبة النساء الثلثين.

– غياب التكافؤ في توفير واستعمال وسائل التواصل والوسائط البيداغوجية الحديثة بين المتعلمين حسب السلك التعليمي (ابتدائي – إعدادي – ثانوي – جامعي)، والوسط المدرسي (بادية – مدينة)، ونوع التعليم (أصيل – عمومي – خصوصي).

توطيدا لمصداقية هذا الطرح الذي نروم من ورائه استنطاق مركزية علاقة المدرسة بالديمقراطية والتنمية في المغرب، نرى ضرورة التفصيل في ثلاثة محاور، تهم على التوالي مقومات هذه المؤسسة ومعوقاتها وآفاقها.

المقومات والخصائص

رغم ضخامة الجهود التي بذلت، والمكتسبات التي تحققت، والأموال التي صرفت في مجال إصلاح التعليم، فإن المدرسة مازالت تعاني من كثير من بؤر العجز والإخفاق التي تعطل طموحها المشروع في خدمة الديمقراطية وتحقيق التنمية؛ فأدوارها التربوية تأثرت كثيرا نتيجة ما يعتريها من صعوبة في غرس قيم الديمقراطية، وزرع بذور التنمية عبر تنمية كفايات القراءة والكتابة والحساب والتواصل.

فالأكيد أن الإجماع حول تراجع دور المدرسة حاصل بامتياز، إذ يقرُّ به أغلب المغاربة، ساسة وأصحاب قرار ومنظمات وطنية ودولية، بل حتى عامة الناس، بمن فيهم المواطنون البسطاء. فالكل مقتنع بالوضعية المتواضعة للمدرسة المغربية على الصعيدين الديمقراطي والتنموي، يكفي أن نمثل لها بالوقائع التالية:

– تذبذبها بين نظامين تعليميين متعارضين: واحد تقليدي يراهن على الماضي، وآخر عصري يراهن على المستقبل، وبالتالي التعرض باستمرار للإصلاحات الترقيعية عديمة الجدوى والفائدة.

– تخبطها في متاهات من المشاكل والصعوبات نتيجة غياب تكافؤ الفرص، ونقص الجودة والحكامة، وضعف المردودية والإنتاج.

– انفصامها عن الواقع وقطاعاته التنموية، وذلك بفعل محدودية برامجها ومناهجها، ونمطية طرقها وأساليبها، وتواضع جودتها وعائدها، إذ نجدها ترجح الكم على الكيف، والحفظ على الفهم، والتقليد على الابتكار، والاستهلاك على الإنتاج، والامتثال على المبادرة.

– تراجع قيمتها التربوية في سلم اهتمامات وأولويات المواطن، وذلك بفعل تدني مستواها وتراجع دورها كقاطرة للديمقراطية والتنمية.

العوائق والتحديات

الواقع أن السياسة التعليمية بالمغرب، وعلى الرغم من تطلعها المتواصل نحو بناء مدرسة ديمقراطية قوامها تحقيق التنمية المأمولة، أصبحت تواجه جملة من العوائق والتحديات نجملها في الآتي:

– غرائبية الواقع التعليمي المغربي الذي يشكل حلبة للصراع والتعايش بين ثلاثة عوالم تربوية تتوزع بين الماضي البعيد، والحاضر الغامض، والمستقبل المسدود. وبذلك يبقى التحدي الذي يواجه دعاة الإصلاح والتغيير محصورا في كيفية جعل المدرسة قاطرة للديمقراطية والتنمية من خلال مدِّ الجسور بين هذه العوالم التربوية الثلاثة.

– محدودية النظام التربوي المغربي بأسلاكه ومساراته المختلفة في تحقيق الرهان الديمقراطي المأمول، والإقلاع التنموي المرتقب؛ وذلك بفعل بنياته الاجتماعية والثقافية شبه المحافظة، وسياساته التربوية والتعليمية المتذبذبة التي ترجح الكم على الكيف، والحفظ على الفهم، والتبعية على الاستقلالية، وتفضل تكريس ثقافة الخضوع والاتكال والدونية واليأس والغش والفشل.

– افتقار المدرسة عندنا إلى مشروع مجتمعي تستنير بمقوماته في بلوغ أهدافها التعليمية والديمقراطية والتنموية، وذلك نتيجة عوامل كثيرة أهمها:

* غياب الرؤية الإستراتيجية المدعومة بالعدالة التربوية التي تلائم بين التكوين والتشغيل، وبالتالي تدهور العائد التنموي للتعليم بتفشي البطالة بين حاملي الشهادات وتكريس ثقافة اليأس والفشل.

* اعتماد سياسة الارتجال التي تحكمها مزاجية أشخاص معدودين، بدل سياسة التخطيط الممنهج في إطار مؤسسات ذات مصداقية على الصعيدين الديمقراطي والتنموي.
* احتكار خبراء الاقتصاد والسياسة لخطط إصلاح التعليم، في تجاهل تام لوجهات نظر الفاعلين والشركاء الآخرين، وفي مقدمتهم علماء النفس والتربية والاجتماع واللسانيات والذكاء الاصطناعي.

* اعتماد السياسة التعليمية التي تمليها إما المنظمات الدولية وإما الضغوط الاجتماعية، التي غالبا ما تؤدي إلى نتائج عكسية، مثل تحويل المدرسة إلى مؤسسة ربحية، يحكمها مبدأ العرض والطلب، بعيدا عن دورها الرئيسي في الرقي بالفرد والمجتمع نحو الأفضل، فكرا وسلوكا وديمقراطية وتنمية.

الآفاق والتوجهات

على الرغم من العوائق سالفة الذكر فإن فسحة الأمل في الإصلاح والتغيير تبقى حاضرة، تغذيها عوامل الإرادة القوية، والمواطنة الصادقة التي يتسلح بها كثير من أبناء هذا الوطن. فاعتقادنا راسخ بأن مطمح دَمَقرَطَة المدرسة وجعلها قاطرة للتنمية لا يمكنه أن يتحقق إلا من خلال إعادة بناء هذه المؤسسة وفق أسس وتوجهات جديدة، وفي مقدمتها الإجراءات التالية:

– بلورة سياسة تعليمية جديدة قوامها تأسيس نظرتنا إلى الذات والواقع والآخر والمستقبل على مفاهيم وتصورات مغايرة، يوجهها من جهة منطق التغيرات المحلية والمستجدات العلمية والتكنولوجية العالمية، وتؤطرها من جهة أخرى ممارسات ديمقراطية واضحة وأهداف تنموية ناجعة.

– العمل بالسياسة التعليمية القائمة على التخطيط التنموي الناجح الذي يتقوى فيه دور الإنسان والمجتمع، بامتلاكهما مقومات التربية الناجعة القادرة على صياغة وجداننا، وتشكيل وعينا، وبناء معارفنا، وتطوير مهاراتنا، وبالتالي تحقيق اندماجنا في المنظومة العالمية لمجتمع الإعلام والمعرفة.

– العمل بمقومات المدرسة التي يُغَذّيها مشروع مجتمعي ديمقراطي، يتخذ من العدل بدل الظلم، المساواة بدل المحاباة، الاستحقاق بدل التحايل، الانفتاح بدل الانغلاق، الصدق بدل النفاق، الاستقلالية بدل التبعية، النجاح بدل الفشل، المبادرة بدل الاتكالية، القيم والممارسات التي يجب استهدافها وترسيخها في نفوس المتعلمين مهما كانت أصولهم وانتماءاتهم وأوساطهم. فبمثل هذا المشروع يمكن النجاح في تكوين المتعلم الكفء المتوازن علما وعملا، قيما وأخلاقا، سلوكا وتعاملا، والذي سيتصرف في ما بعد كمواطن ديمقراطي حر ومسؤول، يدرك ويعرف ما له وما عليه وما لغيره.

في الأخير نشير إلى أن الهدف من هذا الاستنطاق المقتضب لجدلية علاقة المدرسة بالديمقراطية والتنمية في المغرب يُعَدُّ تنبيها صادقا منا إلى الانعكاسات الاجتماعية السلبية لكل ممارسة تربوية تميّز في الحقوق والخدمات بين المتعلمين المغاربة، إما بسبب أصلهم الجغرافي (أرياف – حواضر)، أو انتمائهم الاجتماعي-الاقتصادي (فقراء – أغنياء)، أو جنسهم (ذكور – إناث)، أو نوع تعليمهم ( أصيل – عمومي – خصوصي). فمخاطر هذه المفاضلة إن لم يتم كبحها أو مواجهتها في مهدها ستتقوى وتتفاقم بالتأكيد لتعبّر عن نفسها في المستقبل المنظور، وقد بدأت بعض بوادرها تلوح في الأفق، عبر تهديدات جدّيّة وحقيقية للاستقرار والسلم الاجتماعي.

The post الغالي أحرشاو يقارب المدرسة ورهان الديمقراطية والتنمية في المغرب‎ appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3uxttDZ

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire